يعطي رصيد الحساب الجاري عادةً إشارة على التحركات طويلة الأمد لأسعار صرف العملات، فيما يوفر التضخم (أي الارتفاع العام للأسعار في بلد ما) إشارة أكثر موثوقية على اتجاهات أسعار الصرف في المدى المتوسط.
في واقع الأمر، يمثل ارتفاع أو انخفاض التضخم في إحدى البلدان العامل الأكثر أهمية في تحديد رصيد الحساب الجاري للمعاملات الدولية.
ارتفاع التضخم مقابل انخفاض الأسعار
تفترض النظرية الاقتصادية عموماً أن ارتفاع التضخم في بلد ما سيؤدي إلى انخفاض قيمة عملته مقارنة مع البلد الذي يتمتع بمستوى أقل من التضخم أو الانكماش.
المبدأ الأساسي هو أن ارتفاع التضخم في هذا البلد يؤدي إلى زيادة تكلفة منتجاته وهو ما يقلل من تنافسيتها بالنسبة للمشترين الأجانب. يؤدي ذلك بالتبعية إلى تدهور الميزان التجاري لهذا البلد وبالتالي تراجع الطلب على عملته الوطنية ما يقود في نهاية المطاف إلى انخفاض قيمتها.
تعادل القوة الشرائية
هناك طريقة أخرى للنظر إلى هذه الديناميكيات عن طريق استخدام ما يطلق عليه الاقتصاديون نموذج تعادل القوة الشرائية بين مختلف البلدان. تفترض هذه النظرية بشكل أساسي أن وحدة العملة يجب أن تتمتع بنفس القدرة على شراء سلعة معينة (يستخدم لهذا الغرض بعض المنتجات المعيارية) من بلد لآخر بعد استبعاد تكاليف النقل والضرائب. يشوه التضخم من حالة التوازن القائمة، لهذا يؤدي غياب التعادل المفترض بين القوى الشرائية في كلا البلدين إلى التأثير على أسعار الصرف والتي من المفترض أن تتحرك لاستعادة التوازن مرة أخرى.
على سبيل المثال، إذا افترضنا أن وجبة البيج ماك من ماكدونالدز تتكلف 4 دولار في الولايات المتحدة. إذا كان سعر نفس وجبة البيج ماك في أستراليا يساوي 6 دولار، فإن هذا يمثل إشارة على وجود خلل في نموذج تعادل القوة الشرائية بين البلدين. وهنا يبرز التساؤل حول السبب في اختلاف الأسعار لمنتج ذات تكلفة متساوية من بلد إلى آخر؟
الإجابة هنا هو أن التضخم في أستراليا قد أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل عام، وبالتالي أصبح سعر البيج ماك أكثر تكلفة في أستراليا مقارنة مع سعره في الولايات المتحدة. في هذه الحالة، من المفترض أن تنخفض قيمة العملة الوطنية للبلد ذات معدل التضخم الأعلى (أستراليا) مقابل الدولار الأمريكي حتى نصل إلى تعادل سعر وجبة البيج ماك في كلا البلدين.
توقعات المدى المتوسط
قد لا يساعد تحليل التضخم بعض متداولي المدى القصير حيث تظل التشوهات في أسعار الصرف عادةً قائمة لفترة طويلة. ولهذا ربما يكون من الأفضل متابعة تقارير التضخم مثل مؤشرات أسعار المستهلكين والتي يتفاعل معها السوق عادةً بطريقة أسرع وأحياناً فور صدورها.
يميل التضخم بشكل عام إلى التأثير على أسعار الصرف في المدى المتوسط. تنخفض قيمة العملات في البلدان التي تشهد معدلات تضخم مرتفعة على المدى المتوسط، (حتى برغم أنها قد تستفيد من صفقات الكاري تريد). وعلى الجانب الآخر، تشهد البلدان ذات معدلات الفائدة المنخفضة عادةً ارتفاع ملحوظ في قيمة عملاتها بمرور الوقت.